السلام عليكم .
لازلنا مع السلام عليكم .
لازلنا مع الجزء الثالث فى ذكرى الشيخ الغزالى رحمه الله
لصالح من هذه الجهالة؟
إن هؤلاء الأنصاف متعلمين كما سمّاهم الغزالي يظلمون الإسلام باسم الإسلام، ولا يخدمون إلاّ أعداءه الذين يعتمدون على ضحالة فكرهم لإلصاق التهم بدين الله وإخماد صحوة جديدة لهذا الدين المكافح المثخن بالجراح. بل إن الأمر أبعد من ذلك؛ إذ يصل الأمر بالغزالي إلى أن يصرح في ثقة بأنه يعتقد "أن انتشار الكفر في العالم يقع نصف أوزاره على متدينين بغضوا الله إلى خلقه بسوء كلامهم أو سوء صنيعهم"(5)
ذلك أنهم في عالم يبحث عن الحرية يصوّرون الإسلام دين استبداد، وفي عالم يحترم التجربة ويتبع البرهان يصوّرون الدين دين غيبيات مستوردة من عالم الجن وتهاويل مبثوثة الصلة بعالم الشهادة. وفي عالم تقارب فيه المتباعدون ليحققوا هدفًا مشتركًا فلا بأس أن يتناسوا أمورًا ليست ذات بال، ترى ناسًا من الدعاة يجترون أفكارًا بشرية باعدت بين المسلمين من ألف عام ليشقوا بها الصف، ويمزقوا بها الشمل".
في حين الإسلام الصحيح يقدم لأتباعه الخير، ويهب لهم النصر نجد التدين المغشوش يقدم الهزيمة، ويصنع التخلّف، ويحسّ الناس معه بالحرج. إن هؤلاء "لا ينقصهم غالبًا الحماس والإخلاص، وإنما ينقصهم عمق التجربة وحسن الفقه" .(6)
وبطريقة لا تخلو من النكتة يقول الغزالي وهو الذي يجيد صياغة الطرفة والتبليغ بها: "وددت لو أعنت على محاكاة أبي حامد الغزالي مؤلف "إلجام العوام عن علم الكلام" فألّفت كتابًا عنوانه "إلجام الرعاع والأغمار عن دقائق الفكر ومشكَل الآثار"؛ لأمنعهم عن مناوشة الكبار، وأشغلهم بما يصلحون له من أعمال تناسب مستوياتهم وتنفع أممهم بهم" .(7)
تصحيح التديّن المغلوط
عني الشيخ الغزالي -رحمه الله تعالى- بتصحيح الفكر الديني وقصور فهمه لدى المسلمين خاصتهم وعامتهم، وكان هذا بارزًا في كتبه الأولى "الإسلام والأوضاع الاقتصادية"، "الإسلام والمناهج الاشتراكية"، و "الإسلام المفترى عليه". وكان أول ذلك أن صحّح ما شاع من أن العبادة تنحصر في لحظة سجود أو مكان طواف. بل عمل على ترسيخ شمولية العبادة، فعندما ننظر إلى العبادات السماوية نجد أداءها في اليوم والليلة لا يستغرق نصف ساعة ونجد تعاليمها تستغرق صفحة أو صفحتين، ويبقى الزمان بعد ذلك واسعًا، والمجال رحبًا لفهم الحياة واكتشاف طاقاتها وتسخيرها كلاًّ وجزءًا لخدمة الدين. وكل جهد يُبذل في ذلك يسمى شرعًا عبادة وعملاً صالحًا. وبسبب سوء فهم العبادة كان هذا الفشل الذريع الذي دفعنا ثمنه باهظًا عندما خبنا في ميادين الحياة. وحسبنا أن مثوبة الله في كلمات تُقال ومظاهر تُقام.
يقول الغزالي: "إن هناك سبعين صناعة مدنية وعسكرية تتعلق بالنفط واستخراجه والانتفاع بمشتقاته لا نعرف منها شيئًا، فهل نخدم عقيدة التوحيد بهذا العجز المهين؟! إنه لو قيل لكل شيء في البلاد الإسلامية عد من حيث جئت لخشيت أن يعيش الناس حفاة عراة لا يجدون ما يكتسون، ولا ما يتعلمون، ولا حتى ما يضيء لهم البيوت!!
وقد رأيت صيدلانيًا مشغولاً ببحث قضية صلاة تحية المسجد في أثناء خطبة الجمعة، ومهتما بترجيح مذهب على مذهب، فقلت له: لماذا لا تنصر الإسلام في ميدانك، وتدع هذا الموضوع لأهله. إن الإسلام في ميدان الدواء مهزوم!! ولو أراد أعداء الإسلام أن يسمّموا أمته في هذا الميدان لفعلوا ولعجزتم عن مقاومتهم!!
وسألني طالب بأحد أقسام الكيمياء عن موضوع شائك في علم الكلام فقلت في نفسي إن جائزة نوبل لهذا العام قسمت بين نفر من علماء الكيمياء، وليس فيهم عربي واحد، وحاجة المسلمين إلى الاستبحار في علوم الكيمياء ماسّة. وقد أوردت في بعض كتبي كيف أباد الروس قرية أفغانية عندما شنّوا عليها حربًا كيماوية، وذهب الضحايا في صمت، وتسامع جمهور المسلمين النبأ وهو لا يدري شيئًا عما كان أو يكون!!" .(
كما عمل الغزالي على تصحيح التدين المغلوط من خلال ردّ تلك التقاليد السقيمة التي تحسب على الدين ما ليس فيه، وتنسب إليه عادات ما أنزل الله بها من سلطان، فوقف وقفات أنصف فيها الدين مما شابه ظلمًا وافتراء على الله، خاصة في كتابه "ليس من الإسلام" يقول: "إننا قدمنا للإسلام صورًا تثير الاشمئزاز (..) والمأساة أننا مولعون بضم تقاليدنا وآرائنا إلى عقائد الإسلام وشرائعه لتكون دينًا مع الدين وهديًا من لدن رب العالمين، وبذلك نصد عن سبيل الله!
وأذكر هنا قصة الناقة التي عرضها صاحبها بعشرة دراهم، واشترط أن تُباع قلادتها معها بألف درهم، فكان الناس يقولون: ما أرخص الناقة لولا هذه القلادة الملعونة؟ ونحن نقول: ما أيسر الإسلام وأيسر أركانه وما أصدق عقائده وشرائعه لولا ما أضافه أتباعه من عند أنفسهم، واشترطوا على الناس أن يأخذوا به ويدخلوا فيه!!(9)
إن تلك التقاليد والبدع زوائد دودية تعكر صفو الإسلام وتشوب حقائقه الواضحة، وقد جاهد الغزالي لتصفيته منها؛ لأنها تمنع الإسلام من أن ينطلق بأركانه السليمة ومعالمه الثابتة وفطرته البريئة.
لصالح من هذه الجهالة؟
إن هؤلاء الأنصاف متعلمين كما سمّاهم الغزالي يظلمون الإسلام باسم الإسلام، ولا يخدمون إلاّ أعداءه الذين يعتمدون على ضحالة فكرهم لإلصاق التهم بدين الله وإخماد صحوة جديدة لهذا الدين المكافح المثخن بالجراح. بل إن الأمر أبعد من ذلك؛ إذ يصل الأمر بالغزالي إلى أن يصرح في ثقة بأنه يعتقد "أن انتشار الكفر في العالم يقع نصف أوزاره على متدينين بغضوا الله إلى خلقه بسوء كلامهم أو سوء صنيعهم"(5)
ذلك أنهم في عالم يبحث عن الحرية يصوّرون الإسلام دين استبداد، وفي عالم يحترم التجربة ويتبع البرهان يصوّرون الدين دين غيبيات مستوردة من عالم الجن وتهاويل مبثوثة الصلة بعالم الشهادة. وفي عالم تقارب فيه المتباعدون ليحققوا هدفًا مشتركًا فلا بأس أن يتناسوا أمورًا ليست ذات بال، ترى ناسًا من الدعاة يجترون أفكارًا بشرية باعدت بين المسلمين من ألف عام ليشقوا بها الصف، ويمزقوا بها الشمل".
في حين الإسلام الصحيح يقدم لأتباعه الخير، ويهب لهم النصر نجد التدين المغشوش يقدم الهزيمة، ويصنع التخلّف، ويحسّ الناس معه بالحرج. إن هؤلاء "لا ينقصهم غالبًا الحماس والإخلاص، وإنما ينقصهم عمق التجربة وحسن الفقه" .(6)
وبطريقة لا تخلو من النكتة يقول الغزالي وهو الذي يجيد صياغة الطرفة والتبليغ بها: "وددت لو أعنت على محاكاة أبي حامد الغزالي مؤلف "إلجام العوام عن علم الكلام" فألّفت كتابًا عنوانه "إلجام الرعاع والأغمار عن دقائق الفكر ومشكَل الآثار"؛ لأمنعهم عن مناوشة الكبار، وأشغلهم بما يصلحون له من أعمال تناسب مستوياتهم وتنفع أممهم بهم" .(7)
تصحيح التديّن المغلوط
عني الشيخ الغزالي -رحمه الله تعالى- بتصحيح الفكر الديني وقصور فهمه لدى المسلمين خاصتهم وعامتهم، وكان هذا بارزًا في كتبه الأولى "الإسلام والأوضاع الاقتصادية"، "الإسلام والمناهج الاشتراكية"، و "الإسلام المفترى عليه". وكان أول ذلك أن صحّح ما شاع من أن العبادة تنحصر في لحظة سجود أو مكان طواف. بل عمل على ترسيخ شمولية العبادة، فعندما ننظر إلى العبادات السماوية نجد أداءها في اليوم والليلة لا يستغرق نصف ساعة ونجد تعاليمها تستغرق صفحة أو صفحتين، ويبقى الزمان بعد ذلك واسعًا، والمجال رحبًا لفهم الحياة واكتشاف طاقاتها وتسخيرها كلاًّ وجزءًا لخدمة الدين. وكل جهد يُبذل في ذلك يسمى شرعًا عبادة وعملاً صالحًا. وبسبب سوء فهم العبادة كان هذا الفشل الذريع الذي دفعنا ثمنه باهظًا عندما خبنا في ميادين الحياة. وحسبنا أن مثوبة الله في كلمات تُقال ومظاهر تُقام.
يقول الغزالي: "إن هناك سبعين صناعة مدنية وعسكرية تتعلق بالنفط واستخراجه والانتفاع بمشتقاته لا نعرف منها شيئًا، فهل نخدم عقيدة التوحيد بهذا العجز المهين؟! إنه لو قيل لكل شيء في البلاد الإسلامية عد من حيث جئت لخشيت أن يعيش الناس حفاة عراة لا يجدون ما يكتسون، ولا ما يتعلمون، ولا حتى ما يضيء لهم البيوت!!
وقد رأيت صيدلانيًا مشغولاً ببحث قضية صلاة تحية المسجد في أثناء خطبة الجمعة، ومهتما بترجيح مذهب على مذهب، فقلت له: لماذا لا تنصر الإسلام في ميدانك، وتدع هذا الموضوع لأهله. إن الإسلام في ميدان الدواء مهزوم!! ولو أراد أعداء الإسلام أن يسمّموا أمته في هذا الميدان لفعلوا ولعجزتم عن مقاومتهم!!
وسألني طالب بأحد أقسام الكيمياء عن موضوع شائك في علم الكلام فقلت في نفسي إن جائزة نوبل لهذا العام قسمت بين نفر من علماء الكيمياء، وليس فيهم عربي واحد، وحاجة المسلمين إلى الاستبحار في علوم الكيمياء ماسّة. وقد أوردت في بعض كتبي كيف أباد الروس قرية أفغانية عندما شنّوا عليها حربًا كيماوية، وذهب الضحايا في صمت، وتسامع جمهور المسلمين النبأ وهو لا يدري شيئًا عما كان أو يكون!!" .(
كما عمل الغزالي على تصحيح التدين المغلوط من خلال ردّ تلك التقاليد السقيمة التي تحسب على الدين ما ليس فيه، وتنسب إليه عادات ما أنزل الله بها من سلطان، فوقف وقفات أنصف فيها الدين مما شابه ظلمًا وافتراء على الله، خاصة في كتابه "ليس من الإسلام" يقول: "إننا قدمنا للإسلام صورًا تثير الاشمئزاز (..) والمأساة أننا مولعون بضم تقاليدنا وآرائنا إلى عقائد الإسلام وشرائعه لتكون دينًا مع الدين وهديًا من لدن رب العالمين، وبذلك نصد عن سبيل الله!
وأذكر هنا قصة الناقة التي عرضها صاحبها بعشرة دراهم، واشترط أن تُباع قلادتها معها بألف درهم، فكان الناس يقولون: ما أرخص الناقة لولا هذه القلادة الملعونة؟ ونحن نقول: ما أيسر الإسلام وأيسر أركانه وما أصدق عقائده وشرائعه لولا ما أضافه أتباعه من عند أنفسهم، واشترطوا على الناس أن يأخذوا به ويدخلوا فيه!!(9)
إن تلك التقاليد والبدع زوائد دودية تعكر صفو الإسلام وتشوب حقائقه الواضحة، وقد جاهد الغزالي لتصفيته منها؛ لأنها تمنع الإسلام من أن ينطلق بأركانه السليمة ومعالمه الثابتة وفطرته البريئة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]