الأفكار هي دم الحياة لاي كاتب

الأفكار هي بذور الكتب، وهي لبُّها وفحواها، فلولا الأفكار، بشتّى صورها، لما صُنِّفت الكتب. والمقصود بالأفكار هنا كلّ ما يَعُنّ في الذهن، وليس المقصود الأفكار النظريّة فقط. وأعني بالأفكار هنا ما ينقدح في ذهن الكاتب حيال موضوع معيّن، فقد تكون الفكرة تقييد علم شرعي، ليس للمؤلِّف فيه إلا التصنيف والجمع.
كلّ كتاب لابدّ أن يكون ابتدأ بفكرة. فكرة خطرت في ذهن الكاتب، فأراد أن يسجّلها ويوثّقها ويوضحها لغيره، ربّما يجادل عنها. فكانت هي الباعث على التأليف. فلدى الأفكار قدرة غامضة على دفع الكاتب للكتابة، وليس بمستغرب أن يقوم الكاتب منتصف الليل ليسجّل فكرة خطرت بباله.
وقد قسَّم المتقدِّمون التأليف إلى سبعة أقسام، لا يؤلِّف عالمٌ عادةً إلا فيها:
1- شيء لم يُسبق إليه فيخترعُه، وبحيث تكون فكرته مبتكرة، كما جمع الشافعي - رحمه الله - مبادئ علم أصول الفقه في كتابه (الرسالة)، فقد كانت مبثوثة في كلام العلماء، من الصحابة ومَن بَعْدَهم، ويستخدمونها في إستنباطهم للأحكام من النصوص، فجمعها في كتاب.
2- شيء ناقص يتمِّمه. وهذا أيضاً كثير في كتب المتقدّمين، حيث إن كثيراً منهم يُتوفّى قبل أن يُتمّ بعض كتبه، فيتولّى بعض أصحابه أو تلاميذه إكمال ما بدأه.
3- شيء مغلَق يشرحه. فبعض عبارات المؤلّفين غامض، خاصة إذا كان العلم الذي يكتب فيه جديداً، فيأتي مَن بعده ويشرح عبارته ويوضحها. وكثير من المتون أو المختصرات جرى عليه ذلك. فما من مختصَر في علم من العلوم إلا جاء مَن يشرحه من العلماء. وهناك شروح صارت موسوعات ومراجع في بابها، فمثلاً كتاب (تاج العروس) للزَّبيدي، في عشرة مجلّدات ضِخام، شرح فيه معجم (القاموس) للفيروزابادي. وقد يكون الشارح هو صاحب الكتاب الأصلي، فيضعه مختصراً للمبتدئين، أو لمن يريد أن يحفظه، ثمّ يضع عليه شرحاً لبيان معانيه. ومن ذلك (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر) لإبن حجر، مختصر في مصطلح الحديث، شرحه في (نزهة النظر).
4- شيء طويل يختصره دون أن يُخلّ بشيء من معانيه. وهذا أيضاً مشهور في كتب المتقدِّمين. فأكثر الكتب المطوّلة قام العلماء باختصارها. بل ربّما كان أكثر عمل بعض العلماء هو الإختصار. وكثير من المتقدِّمين يعدُّ الإختصار تأليفاً مستقلاً.
5- شيء متفرّق يجمعه. فقد تكون معلومات حول موضوعٍ ما متوفّرة، لكنها متناثرة في كتب شتّى، فيأتي المؤلِّف ويجمعها في كتاب واحد.
6- شيء مختلط يرتّبه. وهنا يكون دور المؤلِّف ترتيب مادّة علميّة موجودة في كتاب على صفة جديدة.
7- شيء أخطأ فيه مصنِّفه فيصلحه. وهذه هي كتب الردود، أو التعقُّبات، حيث يتصدّى مؤلّف لكتاب سبقه ويقوم ببيان أخطائه ومناقشتها علميّاً.

احسنت


طرح رائع



بارك الله فيك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


جزاك الله خيرا على هذا الموضوع الرائع